عبير التوابل والموانئ البعيدة

كان قد ملكه عشق مدينته ، وما أن أعاده إلى الذاكرة حتى وجد نفسه محاصراً بنصوص واحداث لم يجد بُداً من تأملها، او الحفر في جسدها..، وهو إذ يقف عند مفترق الطرق تصدمه تجاذبات ودورانات لا يريد مفارقة احدها، فيكون محكوماً بأحادية السير، لأنه مسكون بالكشف ، ومأخوذ بالعشق، فكل جهة تمارس الكيد والغواية، ولن تنفك حتى يدخل في المقاربة لكي يتغزل ، ويتواصل في اللعبة.
هكذا يقف "السامرائي" أمام " البصرة". وهكذا يُسكنها في نصوصه، وجوهاً متلألئة بالأضواء، يتشكل عبرها وجه المدينة وعبر القراءة ينبعث الجسد، وتتولد لذة التعامل معه.
لقد ادرك الكاتب أن هناك تناغماً بين المكان والشكل الكتابي الذي يتناوله فجاء" عبيره" موحياً بأن جزءاً من المدينة ينتمي إلى الفن كالشناشيل والشط وبساتين النخيل "مثلاً" وعليه فان البصرة وهي تعرض نفسها لمحبيها على صفحات هذا الكتاب، إنما تؤسس قيمة جمالية، لأنها " على ما يبدو" ليست مكاناً واحداً، وإنما هي أمكنة وفضاءات، تتداخل.. تمتد وتنتهي، وتتواصل لتؤسس أجزاء الجسد الطريٍِ الجميل الذي يصور " عبير التوابل" مفاتنه عبر مقاربات نصية متعددة يقود إختلافها إلى إئتلاف يشد العيون.
هذا " الكشكول" المتشكل عبر لوحات نصية يُشعرك أن هناك تساوقاً بين مساحات تلك اللوحات، وما يبثه العنوان من دلالات، فالعبير خليط من الطيب، والتوابل خليط من أشياء تضاف إلى الطعام، واللفظان من حقلين دلاليين مختلفين اختلافاً يستبعد جمعهما في تركيب.
أما ما فعله الكاتب من جعلهما " متضايفين" فهو إجراء ينتسب إلى الفن أكثر من انتسابه إلى التاريخ، مما يوحي أن " العبير" ليس تاريخاً فحسب وإنما هو أدب وفن أيضاً.
من أجل هذا تعددت مرايا الكاتب للنظر إلى الحدث، لكي يصوغه بعد ذلك تاريخاً لا على طريقة المؤرخين، وإنما على وفق هندسة اختارها من بين تصاميم كثيرة،.. ولأن الحداثة هاجسه، فقد اقتطع من الزمن الكثير، ليُطيل الوقوف في تاريخ مدينته الحديث الذي عاشه وذاق حلاوته بقدر ما اكتوى بعذاباته.
لقد أحب الكاتب أن تمر البصرة أمام عيوننا" مر السحابة لا ريث ولا عجل"
إنها فسيفساء الكلمات واللقطات الجميلة التي يقدمها " الكاتب" السينمائي ليبقينا مشدودين حتى النهاية.. إنه يقدم مدينته لقطة بعد لقطة أو لوحة إثر لوحة وبالقدر الذي يقدم فيه الطيب نفسه، او بالقدر الذي تضاف فيه التوابل إلى الطعام .. شيء قليل غير أن أثره في النفوس عظيم ....
إن قيمة هذا الكتاب لا تتأتى من مادته فحسب، وإنما من هندسته وطريقة إخراجه..، وعلى وفق ما يقال أن لا تاريخ بغير وثيقة فإن " عبير التوابل" يضع بين أيدينا عشرات الوثائق التي تتحدث عما في البصرة من أسواق وعمران وأحداث، ومن أدب وفن وصحافة.. تتحدث عن الزمان والمكان والانسان..
وبما أن مركز دراسات البصرة معني بتوثيق المدينة فقد وجد نفسه معنياً بهذا الكتاب ، ومن أجل هذا فقد شدت جامعة البصرة على يد الأستاذ" إحسان وفيق السامرائي" ولم تتردد في تقديم ما من شأنه التعجيل باصدار هذا الكتاب لكي تؤكد نهجها في العمل على تنشط الثقافة البصرية، وتمكين الإبداع من أن يتواصل بالعطاء

مدير مركز دراسات البصرة
عبير التوابل والموانئ البعيدة 2Q==

عدد المساهمات : 296 تاريخ التسجيل : 16/10/2012

ـآآالله لآيحرمنـــــآ طلآتكـِ
بإنتـظـاآآر جديدكـِ ـآآالمميـــز
دووووم ـآآلتميــز

Admin عدد المساهمات : 594 تاريخ التسجيل : 24/08/2010

كل الصدق قلتم
البصره فسيفساء الكلمات
سلمت يداك

» التوابل(البهارات)