ahmedrajaa41
عدد المساهمات : 1784
تاريخ التسجيل : 23/05/2012
العمر : 33
الموقع : البصرة
 |  موضوع: ايها المبدع كن ذاتك  الأحد سبتمبر 23, 2012 4:23 am | |
| يقول نيتشة ( 1844 - 1900 ) إن أعظم عمل فني يستطيع الإنسان إبداعه إنما هو ذاته ؛أي إن جمال أي عمل فني إنما يستمد قوته وجماله من قدرته على التعبير عن ذات الفنان الحقيقية . بمعنى أن تكون أعمال المبدع معبرة عن ذاته الخاصة،واشية بانفعالاته الداخلية التي هي سبب من أسباب إبداعه وتميزه .
ولنيتشة رأي في الإبداع ذاته فهو يحدد دوافع الإبداع بالإثارة الداخلية التي تولد الإنفعال ومن ثمَّ تتحول إلى الدافع الأساسي وراء عملية الخلق الفني وهذه الإثارة الداخلية لا تحتاج بعد ذلك إلا بلورتها من خلال التنظيم والتوجيه لإنجاز العمل الفني وهو يقصد بذلك أن يسيطر الإنسان على انفعالاته الداخلية ويواجهها إلى الوجهة المناسبة ليتم إفراغها في شكل ملائم ….. على أن يأتي العمل المتولد من هذه الإثارة صادقا ومعبرا عن مايموج داخل النفس من انفعالات داخلية استطاع المبدع التحكم بها وإبرازها من خلال شكل فني معين .
وهذه الذات المنتجة للعمل الإبداعي تتكرر في عمل المبدع وتميزه عن غيره نحن نعرف أن تلك اللوحة هي من عمل بيكاسو مثلاً من خلال خطوطه التي تتكرر وضرباته التي لا تخطئها العين . ونعرف أن تلك القصيدة هي للمتنبي أو لأبو العلاء المعري من أسلوبها وطريقة نظمها واختيار كلماتها ومعانيها …… وهكذا .
وما يقصده نيتشه من مقولته هذه هو أن يكون المبدع صادقا في التعبير عن ذاته ...وأن يكون مصورا لإنفعالاتها الحقيقية ...معبرا عن أحاسيسها الخفية ...منطلقا من حقيقة وجودها واتصالها بما حولها وبما تنتجه من إبداع؛
فمن داخل هذه الذات المتوهجة المحبة للجمال يشع الإبداع وينطلق ملتحماً مع الذات المبدعة … التي أبدعت هذا العمل الفني فجعلت منه منتجاً جديداً له صفات الكائن العضوي الحي … أي شكلاً عضوياً مقابل الشكل الآلي الذي جاءت به نظرية المحاكاة . فالإبداع كما يعرَّف هو ابتكار لكل ماهو جديد أو اختراع ما لم يكن موجوداً أصلاً … أو كان موجوداً,,, ولكن المبدع التفت إليه وأحس به ثم عبر عنه بطريقته الخاصة وبوسائله وأدواته الإبداعية ..فخرج إلى الوجود بشكل مختلف متميزا عن غيره بسمات تعود إلى المبدع نفسه .
إن الذات هي المعمل الأول للإبداع وما لم تكن الذات مجهزة بوسائل الإبداع الأساسية فإن عملية الخلق الفني تظل غير مكتملة وهكذا فإن العمل الفني يصل إلى المتلقي له مجهضاً ومشوهاً وخالياً من ملامح الإبداع الأساسية .
إن الفنان المبدع للعمل الفني يختلف عن الآخرين في أنه يرى الأشياء بطريقة مختلفة ويلتقط ما فيها من جوانب خفية ثم يعيد صياغتها في عمل فني يسكب عليه جزءا من ذاته ..بحيث لايستطيع أحد تقليده فيه ... وهذا يقودنا إلى نظرية المحاكاة التي كان أفلاطون يرى أنها الأساس في عملية الإبداع . فالفنون المختلفة والآداب إنما هي قائمة على عملية التقليد والمحاكاة .. تقليد لكل ما هو موجود .. ومحاكاة أعمال الآخرين بطريقة قد تكون متقنة الصنع إلى حد كبير وتطابق الواقع إلى حد كبير ..وقد تكون محرفة عنه حسب ما يراه الصانع لهذا العمل … وهنا تتضح عملية الإبداع التي تحرك المبدع لتضيف إلى العمل المنتج بعضاً من الصفات التي تنطلق من ذاته الإبداعية فتضفي عليه تلك اللمسة الساحرة التي ندعوها " بالإبداع " .
وعوداً إلى نظرية المحاكاة نشير إلى أن أرسطو وقف من نظرية المحاكاة هذه نظرة الناقد الممحص وقصر مفهوم المحاكاة على الفنون وإن كان قد رفض فكرة أن المحاكاة إنما هي نقل حرفي لمظاهر الطبيعة ذلك أن الأديب لا ينقل فقط بل يتصرف فيما ينقله كما أنه أشار إلى أن الشاعر لا يحاكي ما هو كائن من الأشياء وإنما هو يحاول محاكاة ما يمكن أن يكون أي أنه يحاول إظهار الأشياء بأجمل مما هي في الواقع وكذلك الفنان يحاول تصوير الطبيعة وأجمل مما هي في واقعها الحقيقي مما يجعل الفن يكمل ما في الطبيعة من نقص .
أما المؤرخ ومن يكتب في العلوم فإنهما يقلدون المواضيع الموجودة وينقلانها كما هي أي مطابق للواقع قدر الإمكان .
وقد كان لسقراط أيضاً رأيه وتعليقاته على أراء أفلاطون عن المحاكاة … فقد كان مما ذكره قوله إن الفنان هو الذي يحدد المواضيع التي يقلدها والتي يربطها ببعضها البعض بقدرته الذاتية على الخلق والابتكار .
ومع الوقت ظهرت نظريات فكرية وفلسفية متعددة … وتحول الاتجاه من مناقشة الأفكار العامة إلى التركيز على قيمة الفرد وأهميته الذاتية وخاصة في عالم الإنتاج والفكر والإبداع .
فمع قيام الثورات المتعددة في كثير من المجتمعات وانهيار الأنظمة الإقطاعية ظهرت شعارات كثيرة تنادي بإعطاء الفرد حريته في التعبير عن أفكاره وآراءه وإتاحة الفرص له لإظهار طاقاته الكامنة … وهكذا أخذ الاهتمام بالفرد كعالم له ذاته المستقلة ووجوده المنفصل عن غيره .
وجاءت مجموعة من المنظرين الفلاسفة الذين أرسوا قواعد الأسس الفلسفية لنظرية التعبير ومن أهمهم " هيجل " و"كانت" وهذان كان لهما أثر كبير على النقاد والأدباء الذين ظهروا في هذه الفترة وما بعدها . وكان لكل منهما نظريته الخاصة عن عملية التعبير الفني والإبداع وإن كان الاثنان قد اهتما أساساً بالمشاعر والخيال .
" كانت " كان يقول بأن الشعور هو الطريق إلى" المعرفة الحقيقية" وقد فصل بين المعرفة الحسية والمعرفة العقلية . أما هيجل فقد وضع الإبداع كأساس لفلسفة الفن وقال بأن الإحساس يحرك الخيال لدى الفنان ونتيجة لطاقة الخيال فإن الفنان يدرك الحقائق كصورة لا كموضوع أو فكرة .
وإدراك الحقيقة هو الفن …إذن فالإدراك والخيال هما أهم أدوات الفنان المبدع .بعد ذلك قام بعض الشعراء والأدباء بوضع آراءهم حول هذه المواضيع في كتبهم أو في مقدمات لها، مثل ما فعل ويليام وردزوورث في ديوانه "غنائيات" بالاشتراك مع الشاعر والناقد كوليردج (1770 – 1850 ) حيث وضح آراءه النقدية التي كتب قصائده على أساسها وفي هذه المقدمة وصف الشعر الجيد بأنه فيض تلقائي لمشاعر قوية وكأنه بذلك يحاول تحطيم مفهوم الصنعة في الأدب كما أن عبارة " فيض تلقائي " اعتبرت كرد على نظرية المحاكاة المشهورة .
ويرى ووردزوورث أن الشعور يضفي أهمية على العمل والموقف .
وقد جاء كوليردج (1772-1834) في كتابه " سيرة أدبية " بعد ذلك ليرفض فكرة " كانت " عن الخيال على أنه ليس إلا مجرد وسيلة لجمع الجزيئات الحسية المتفرقة ، فبالنسبة لكوليردج فإن الخيال هو الحافز الأدبي للإبداع، وهو خلق جديد لصور لم توجد من قبل وما كانت ستوجد بفضل الحواس وحدها أو بواسطة العقل وحده ، والخيال وحده هو الذي يميز الشعراء والعباقرة عن غيرهم .
وهكذا فإن كوليردج كان يؤمن بقوة الخيال في عملية الإبداع وأهميته حيث قسمه إلى خيال أولى وخيال ثانوي؛ فالأول ضروري لجعل الإدراك الإنساني ممكناً وهذا النوع يتمتع به كل الناس ،وهو ضروري لإدراك وقائع الحياة وفهمها، أما الثاني فهو الذي يوجد مع الإرادة الواعية ولكنه نوع من الخيال الذي يذيب الواقع ويحطم بعض الحقائق لكي يخلق منها ما هو جديد أو يعمل على إيجاد وحدة بين الأشياء أي أنه يحول الواقع الموجود إلى ما هو مثالي وبقوة الخيال الشعري هذه التي لا يتمتع به سوى الشعراء فقط .
هذا الخيال لا يهتم بجزيئات الشيء المدرك أو بالعلاقة بين الذات المدركة والموضوع المدرك لأن موضوع الخيال ينبغي أن يكون غائباً . إن الشاعر في هذه الحالة يعطينا صورة الشيء كما تراءت له أو كما تخيلها في شكل من الأشكال . وهذا يعني ـ في رأي كوليردج ـ إن الخيال الشعري يتخذ مادته من الواقع بعد أن يلغيه أو يعتبره غير موجود . ذلك إن الخيال الشعري يذيب ويلاشي ويحطم لكي يخلق لنا صورة جديدة تحل محل الموجودات المحيطة أي أن الأجزاء المادية لهذه الصورة موجودة في الواقع فعلاً ولكنها في مجموعها متخيله فهي من صنع خيال الشاعر الذي جمع بين أجزاءها في صورة واحدة ووحدها بحيث تجيء هذه الصورة مختلفة عن الموضوعات الثابتة الخالية من الحياة حسب تعبير كوليردج وهذا ما يميز الشاعر عن غيره من الناس العاديين فالشاعر الذي هو أكثر تأثيراً بالأشياء وأوسع خيالاً يقدم لنا المألوف بصورة جديدة لها دلالات جديدة أيضاً ،ا بعد أن يخلع عليها من ذاته معنى جديداً. إن الشعر بذلك هو نتاج للخيال والإدارة الواعية التي تنظم الرؤية الجديدة ،فالذات الشاعرة تلتحم تماماً مع الموضوع فينتج عن ذلك شكل جديد له صفات الكائن الحي .
أما الشاعر وليم يليك ( فقد كان يرى أن الخيال رؤية مقدسة وهو القوة الوحيدة التي تخلق الشعر .
فالخيال هو القدرة العقلية على تكوين الصور والتصورات الجديدة، ويشير هذا المصطلح إلى عمليات الدمج والتركيب وإعادة تركيب الذاكرة الخاصة بالخبرات الماضية وكذلك الصور التي يتم تشكيلها وتكوينها خلال ذلك في تركيبات جديدة.•
وفي هذا المجال أكد عالم البيولوجيا الأمريكي سينوت) أن الإبداع هو أحد التجليات الطبيعية للحياة ، وقد اعتبر الخيال قدرة الفرد على تصوير شيء ما بعين عقله ، شيء لم يره من قبل ولم يمر بخبرة خاصة معه . وهو يؤكد على أهمية اللاشعور والعمليات المرتبطة به " ففي الأحلام وأشباه الأحلام يمتلئ العقل بحشد من الصور والأخيلة ...هنا تحدث الخبرات والميول الخاصة المتعلقة بالكائنات الحية".
وقد كان لهذه النظريات عن دور الخيال والإلهام ودوافع الإبداع الإنفعالية في عملية الإبداع أثرها العام على مسار الأدب والنقد العالمي ؛ذلك أنها أعطت القيمة كلها للعواطف والانفعالات في عملية التعبير والخلق الفني بينما كانت نظرية المحاكاة ترى أن القيمة كلها هي للعقل والمنطق  | |
|
