عدد المساهمات : 1784 تاريخ التسجيل : 23/05/2012 العمر : 33 الموقع : البصرة
موضوع: الغش في الامتحانات السبت أبريل 06, 2013 10:08 am
يعتبر الامتحان المعيار الأساس الذي لا يزال يُعتمد عليه في تقييم الطلبة. وعلى الرغم من أهميته لم يطرأ على صيغة تمريره أي تغيير جوهري في منظومتنا التربوية، حتى أصبح يطرح إشكالا على مستوى تكافئ الفرص، وأيضا على مستوى تحديد الكفاءات المستحقة للنجاح.. هذه الإشكالات تسبب فيها تفشي ظاهرة الغش التي سوت بين المجتهد والمتهاون والضعيف.. فهل يمكن القول على أن الامتحان فقد قيمته ولم يعد ذلك المقياس الصحيح والحقيقي لتقييم مستوى المتمدرس؟؟؟
أسباب ودواعي
مما لا شك فيه، أن الغش سلوك منبوذ أخلاقيا وتربويا وتفشيه في النظام التعليمي هو مؤشر على أن المنظومة التربوية تعاني اختلالات في تركيبتها البشرية والبيداغوجية. وما الظاهرة إلا نتاج لتردي مستوى طلاب أفرزتهم سياسة تعليمية بُنيت على استيراد مناهج التدريس التي لا تتلاءم مع بيئتنا وقيمنا، وافتقار هذه السياسة إلى فلسفة تربوية تعتمد على تحديد الهدف والغاية من تعليم العنصر البشري في حدود الإمكانات المتوفرة…
إن أكثر ما يلفت الانتباه في ظاهرة الغش هو استعمال الطلبة للتقنيات الحديثة بذكاء في هذا المجال.. وتعاملهم مع هذه الوسائل جاء اعتمادا على النفس في الوقت الذي لا تزال مؤسسات التعليم تسجل ضعفا في استعمال التكنولوجيا الحديثة سواء من حيث توفرها أو من جانب تكوين مستعمليها..
ففي ظل انعدام مواكبة التطور الرقمي بشكل جدي في المدارس والذي يعرفه العالم، لجأ الطالب للاعتماد على نفسه في تعلم التكنولوجيا الرقمية، فكان للأسف في تعلمه مهتما بالجانب السلبي حيث تفنن وأبدع في النصب والاحتيال والغش في غياب التوجيه التربوي في هذا المضمار..
نماذج من الغش يمارسها الطلاب
ولا يسعنا إلا أن نسوق نماذج من مبتكرات الطلبة المستعملة للتحايل على قوانين الامتحان…فالكثير من الطلاب يقضون الأسبوع الأخير قبل الامتحان في الاستعداد لتهيئ وسائل وأدوات الغش ويبتكرون أحسن الأساليب التي لا يمكن للمراقب ضبطها ونذكر منها على الخصوص؛ كتابة الدروس في أوراق وتصغيرها بواسطة آلات النسخ لتأخذ مساحة أقل ويمكن إخفاؤها في أكمام القمصان أو بين طيات أوراق الإجابة… وهناك أيضا الكتابة على الأيدي، والسيقان، أو الأدرع، وكذلك على المقاعد، ، ثم أيضا الكتابة على أدوات الهندسة البلاستيكية الشفافة والتي لا تظهر الكتابة عليها إلا إذا وضعت على الورق الأبيض بطريقة تشبه الحبر السري.. وتتوفر الآن في السوق ساعات تحتوي على كومبيوتر صغير به ذاكرة يمكنها أن تخزن العديد من الدروس.. وبالإضافة إلى ما ذكِر، نشير إلى الغش بواسطة الهاتف الجوال وذلك عن طريق إخفائه في الملابس وتوصيله بسماعة وقت الحاجة وتحويل رنينه إلى طريقة الاهتزاز حتى لا يُسمع.. وعبره يبعث الطالب لصديقه أو أحد أقاربه بالسؤال مكتوبا ويتلقى الجواب مسموعا أو كتابة حسب ظروف المراقبة…. ومن الطلبة من يذهب إلى المرحاض وقد يصاحبه أحد المراقبين حتى الباب وبالداخل يقوم باتصال هاتفي أو يبحث عما يريد فيما يحمل معه من أدوات الغش ..
على كل حال أساليب الغش في الامتحان عديدة، وكل يوم يبتكر الطلبة الجديد في هذا المجال،،، لكن أخطر ما يتداول على الساحة التعليمية حاليا وأصبح حديث الخاص والعام هو ما يسمى بالغش الجماعي؛ وهو عبارة عن تواطؤ بعض المسؤولين عن مركز الامتحان مع المراقبين الذين يتغاضون عن أفعال الممتحنين الغير قانونية أو أحيانا يتعاونون معهم حتى وصل الأمر بالمدرس المراقب أن يقوم بنقل ورقة الغش من طالب لأخر…
حلول آنية وأخرى على المدى البعيد
لقد باتت الظاهرة تطرح نفسها بإلحاح لإيجاد مخرج لها حتى يتم إيقاف هذا النزيف الذي يزيد من تعميق جرح تدهور التعليم,, فلا بد من إجراءات آنية وأخرى على المدى البعيد.. فحاليا يقتضي الأمر الحزم والضرب بيد من حديد على كل المتلاعبين بكل الطرق التي تجعلهم عبرة للأخرين،، ولا بد أيضا من منع الجوال داخل قاعات الامتحان وخضوع الطلبة للتفتيش الدقيق قبل ولوجها،، وتُمنح للطالب كل اللوازم التي سيحتاجها داخل القاعة وعند الانتهاء منها يسلمها للمراقبين.
وعلى المدى البعيد تحتاج منا كل الظواهر المسيئة للعملية التربوية وعلى رأسها ظاهرة الغش، إصلاحا تربويا مسؤولا تساهم فيه كل قوى المجتمع بدون استثناء في إعداد مشروع تربوي يتلاءم مع الإمكانات المتوفرة ويراعي خصوصياتنا مع الانفتاح على غيرنا في حدود ما يتناسب مع ما نهدف إليه ،، علينا أيضا أن نركز في إصلاحنا التربوي على تحديد رؤيتنا للإنسان الصالح الذي نريده لمجتمعنا ، والكيفية التي سنصل بها لتحقيق ذلك،، كما لا نكون مستعجلين في نتائج مشروعنا،، بل عند نهاية المدة الزمنية المخصصة له، نقوم بتقييم مراحله وندرس الإيجابيات والسلبيات التي اعترضتنا في مراحل التنفيذ وعلى غرارها يكون التجديد التربوي،، هكذا وبالتدريج نستطيع تكوين أجيال جادة تستهجن كل ما يتنافى مع الأخلاق الحميدة..
خلاصة
مجمل القول،، الامتحان كمعيار تقييم لمستوى الطالب لا يمكن التخلي عنه وتبقى فاعليته في أسلوب تمريره وكل ما يعتريه من خلل راجع لتربية العنصر البشري وما يتحلى به من أخلاق وقيم،، فالمشكل الأساس إذن يكمن في تربية الفرد ولا يتم ذلك إلا بنظام تعليمي يراعي في أهدافه إعداد الإنسان الصالح للمجتمع.