يقول الله عز و جل :إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2], و يقول في سورة فصلت أيضًا: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت:3], و يقول في سورة الكهف: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [الكهف:1], أي أن أساليبه ولغته لا اعوجاج فيها, بل هي قمة في الاستقامة وقمة في الفصاحة والبلاغة والبيان, ويقول تعالى كذلك: قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزمر:28] أي لا اعوجاج فيه.
من هذه الآيات يتضح لنا و يتبين حجم الأهمية التي حباها الله تعالى للغة العربية و لا عجب أن يتكفل عز و جل بنفسه للحفاظ عليها حيث قال: إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْر وَ إنّا لَهُ لَحافِظُون, فبالرغم من أن معنى الآية يتجه إلى جانب الحفاظ على القرآن الكريم من التحريف و التزوير تحديدا إلا أن المعنى شامل لكل العناصر الدينية بما فيها اللغة المتعبَّد بها حيث أن الحفاظ على القرآن الكريم هو بالضرورة حفاظ على اللغة العربية من الضياع و الإتلاف.
فغالبا ما تدوم اللغات زمنا قبل أن تُبَدّل بحيث أنك مثلا إذا عدت إلى اللغة الإنجليزية في أواخر القرن السابع عشر ستجد أنها غير ما يُتَكَلَّم به اليوم و قد أخذت من لغات الأوروبيين العديد من المصطلحات و خاصة من اللغة الفرنسية و لا تجد بينهما فرقا سوى في النطق و كذلك فعلت كل لغات العالم إلا اللغة العربية الأصيلة لأنها بكل بساطة حفظها الله تعالى من التبدل و التغيّر عن طريق جعل الصالحين يحملون مشعل تداولها و تأليف الكتب في مجالات شتى و كتابة الشعر و غيره, هذه العناية بها جعلها تحتل المرتبة الأولى كلغة حافظت على أصالتها على الرغم من تزايد المصطلحات العصرية و المتعلقة بالخصوص بكل ما هو تكنولوجي محض و بوجه عام بكل ما يتعلق بالعلوم الحديثة.
هذا الكم الهائل من المصطلحات المتزايدة سنة بعد أخرى لم تجعل من اللغة العربية لغة منسية بل عززتها و قوتها و زادتها بيانا و وضوحا, و ذلك لا يشكل أي خطر عليها بل لازلنا نفهم قصائد العرب في العصر الجاهلي و بعد الإسلامي إلى يومنا هذا, غير أن الفرق الحاصل بيننا و بين العرب الأوائل هو أنهم أكثر إلماما بها و بمعاني كلماتها و بدقة استعمال أساليبها, مما يجعل كل قارئ لقصائدهم و كتبهم يتذوق حلاوتها, بل منهم من يصف مشهدا ما و يجعل القارئ يرسم لوحة الفهم الحقيقي للكاتب و ذلك دليل واضح على غنى اللغة العربية بالكلمات المناسبة لكل حدث و موقف و مشهد دون التكرار الممل, بل من الشعراء العرب من جعل من اللغة العربية أداة لخلق التحدي و الأحجيات عبر كتابة أبيات يصعب على من ليس له إلمام بها قراءة البيت قراءة صحيحة و فهمه دون الشكل.
و من ذلك على سبيل المثال لا الحصر قول المتنبي:
ألم ألم ألم ألم بدائه إن آن آن آن آن شفاؤه
فمن النظرة الأولى لهذا البيت قد يبدو صعبا لكل من لا يتقن العربية الفصيحة و قد يأخذ الإنسان العادي وقتا أطول لقراءة البيت الشعري قراءة صحيحة, لكن الملم بها و المكثر من قراءة و مطالعة كتب دواوين الشعراء العرب لن يستغرق أكثر مما يستغرقه في قراءة بيت شعري عادي من ذات البحر, و مع الشكل يسهل الفهم و يسقط الغموض و ينكشف المفهوم البسيط الذي كان في البداية معقدا, فلنقرأ البيت البيت الشعري الآن:
أَلَمٌ ألَمَّ أَلَمْ أُلِمْ بِدائِهِ إِنْ آنَّ آنٌ آنَ آنُ شِفاؤهُ
و معنى البيت: وجع أحاط بي لم أعلم بمرضه إذا توجع صاحب الألم حان وقت شفائه
فاللغة العربية علم واسع يتيح لصاحبه مساحة واسعة للخيال و التعبير السليم عنه و إيصاله إلى المتلقي بسهولة فائقة, و ذلك إنما يتأثى بوفرة الكلمات أكثر مما قد يخطر بمخيلة إنسان.
فاللغة العربية غنية ببيانها و فصاحتها و بلاغتها و دقة مصطلحاتها و وفرة أساليبها و بذلك استحقت أن يُحتفى بها في يومها العالمي يوم 18 دجنبر من كل سنة, و نحن كأمازيغ مسلمون نعتز باللغة العربية و ندافع عنها دون أن ننسى لغتنا الأم الأمازيغية, فالأولى نعتبرها لغة العبادة و الملة و التواصل مع إخواننا العرب و الثانية نعتبرها هويتنا و لغة آبائنا و أجدادنا و بها نفرض كياننا وهويتنا وسط العالم بأسره.